الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

من المشاهد الأولى



كانت الطائرة فوق السحاب تحملها إلى البعيد، نافذة صغيرة تتسع لرؤية الشمس في الأفق في أبهى صورها، وهي تجلس إلى جوار العزيز ممسكة بذراعه بين خوف وأمل.
بين الغفوة والأخرى كانت تصحو على لمسته، وهو يدثرها جيدًا كي لا تشعر ببرد.
وصلا إلى مطار دولة عربية، وكان يختلف تمامًا عن المطار الذي غادراه، لم يخطر ببالها أبدًا تصور للآتي، كانت طفلة لم تتعلم التفكير بعد، ظلت تحمل بهجتها وتحلق بها حوله كفراشة حول نور.
حملها على أكتافه وغادر صالة الوصول ليجد بعضًا من أصدقائه ينتظرون بوجوه يعلوها الخوف، أشار إليهم مبتسمًا وتوجه نحوهم، استقبلوه بعناقات كثيرة وحفاوة، بدأ الإنفراج على وجوههم يعلو..
كانت السيارات بانتظارهم في الخارج، فأسرعوا بمغادرة صالة المطار القبيحة، داهمها الحر فاشتكت له من عناقه الشديد، ضحك لها وفك ذراعيه قليلاً من حولها، لكنه لم يبعدها أو يبتعد عنها، هل كان به خوف من نوع مًا؟
لم تعرف سببًا لتشبثه بها في تلك اللحظة.. خفض مستوى النافذة بجوارهما فدخل إليها هواء متجدد وكثير داعب وجنتيها، وتراقص شعرها الأسود المنسدل على وجهه، فعادت ضحكاتها تعلو، والفرح يغمرها.

كانت طفلة لم تعي بعد ما ينتظرها....


يتبع

مقتطف من الخاتمة





شعرت باقتراب شهقتها الأخيرة مع تعاظم الألم، بكت كثيرًا هذه الليلة، لكنها لم تشأ أن يرى أحدًا حالها.
غالبت وجعها وغادرت سرير الموت، توجهت إلى ثيابها واختارت ثوبها الأسود، الذي طالما أعجب محبوبها، ارتدته و ظفرت شعرها بطريقة تشبه ظفائر النساء في القرن السادس عشر، توجهت إلى المرآة وهي تتمنى أن ترى وجهها مشرقًا بالحب والأمل لكنها لم تصدم حين رأت الشحوب والوجع.
اغرورقت عيناها بالدمع، ليس على حالها، بل على من ستتركهم قريبًا، أمسكت بفرشاتها. بدأت ترسم بالألوان على وجهها، أعادت بعضًا من رونقها بالزيف، ابتسمت لإنعكاس صورتها، لكنها رأت في عينيها ما تحاول إخفائه، هل سيراه هو أيضًا حين يأتي؟ غالبًا لن يلحظ شيئًا لأنه لن يأتي.
حاولت التماسك أمام الفكرة، حاولت التمني، ولكن الواقع كان عكس ما تمنت، عادت إلى فراش موتها، غالبت الدمع واستسلمت إلى النوم، لن يراها أحد كما لم يراها أحد

بقيت من المجهول إلى المجهول حتى انتقلت إلى المجهول الأوسع...

العاصفة الأخيرة



نحتاج في بعض الأحيان للخلافات لنعرف حقيقة ما يجول في فكر الآخرين دون رتوش أو تنسيق, من هنا يأتي هذا النص المستوحى




أيظن حقا أنها الأفعى التي تبث السم في حياته؟؟
أم أنها مجرد كلمات يقولها في لحظة كبرياء؟
تذكرت حين زارتها إحدى معارفه, تذكرت الساعات الطوال التي جلستها بصمت تستمع إلى مدى الكراهية في مجتمعه تجاهها بإبتسام, لم يكن يومها صبرها من فراغ بل لأنها كانت على يقين أنه يحبها فماذا الآن؟
غالبها الدمع و غلبها هذه المرة أيضا, كم هي قاسية تلك الحقيقة التي لا تخرج عن إطار ما أدركت منذ فترة و رغم ذلك رفضت الإعتراف بها أو حتى السماح لنفسها بأن تصدقها, دفعها العشق لبعض من أمل و لكنها اليوم تعرف انها تهذي لا أكثر..
سألت نفسها من هجر الثاني أولا؟
من حطم بقايا عمرها, هل كانت أنانيتها أم شيء ما فيه هو جعلها تبني الجدران العالية واحدا تلو الآخر بحثا عن حصن ترتكز إليه و تحمي الباقي من لحظات الذكرى, هي لم تعد تلومه على ساعات الإنتظار, كانت دوما تجد له المبررات رغم أن هذا يتنافى و إنسانيتها, هو ما كان يكترث لوجودها, ما كان يسأل عن صمتها و عمق حزنها, ما كان يعترف بتجربتها, ما كان يصدقها.
صاغرة بحثت عنه كل ليلة و لم تجده و لم تتعظ, صاغرة صمتت أشهرا طوال و لم يكترث, كان يرى الجسد يتمزق و لم يكترث, كان يرى الروح تغادر نبضها و لم يكترث...
تعلمت أنه من الخطأ أن تحيا نصف حياة بنصف نفس, حاولت ان تنام ساعات طوال لكنها لم تنسى الأسى, فلحظة واحدة من اليقظة كانت كافية لإشعال الغربة مجددا مهما تمنت أن يطول غيابها, أدركت برودة لمساته و عرفت أنها لم تكن إلا منعا للعتب, انكسرت مرة تلو الأخرى, و انكسرت مجددا..
أحد لم يعلم يوما أنها ما بحثت إلا عن بعض من إحتواء و أمان, إنسانيات بسيطة هو كل مطلبها, لكنها لم تجد إلا المزيد من إنتهاك الخصوصية و القمع البشري و الغربة و الصمت
لم تجد إلا نفسها حطام بشري عاجز عن الإستمرار..
وضعت الأقراص جميعا في كف يدها نظرت إليها و ابتلعتها جميعا دفعة واحدة, خيم الصمت على روحها, تهاوت على وسادتها و هي تختار أبشع أشكال للموت...
دون وداع



- نداء عادل

هي و الكرسي



في زاوية كرسي منسي, تجلس منكمشة على نفسها, متمنية لو أنه يبتلعها فتختفي, كما ابتلعتها دوامة الحيرة و الخوف, هل لحظ أحدهم وجودها؟ أم نسيها الجميع و اختفت عن أنظارهم؟ لا تذكر كم مر من الوقت على جلوسها هذا, لكنها تعلم أن طفولتها قد إنتهت هناك في ذاك المكان و تلك الأيام, كيف لها ان تحيا؟ لماذا؟ و كيف؟ و أين؟
يتسرب إليها من خلال الذاكرة, بوجهه الأول الذي كانت تحبه, مرَّ زمن زمن طويل على آخر مرة رأت فيه هذا الوجه, منذ عاد من رحلته الأخيرة إلى برلين, كانت تستشعر شيئا ما به و لا تعرف ماهيته, تراه في كل تصرفاته, تذكر
بعد يوم طويل قضته بعيدا عنه ما كان هناك شيء يشبه فرحتها باللقاء مجددا كادت ان ترتمي في احضانه لكنه تركها و التفت إلى شيء آخر متجاهلا اجتياحها له حاولت ان تتعامل بطفولتها و تحدثه عن أي شيء لكنها أدركت انه لا يسمعها كتمت أنينها و تركته، يوما تلو آخر تراه يتهرب منها دون ان تجد تفسيرا، تسمعه يبكي و لا تعرف سببا لم يكن هناك دمع في عينيه لكن روحه كانت تشهق حد الموت، اعتادت غيابه و اعتادت انشغاله عنها لكنها لم تجد له مبررا، من لها سواه في الحياة و من له سواها، كيف يتركها هكذا؟ خافت سؤاله لكنها سرعان ما ندمت، فلن تتسنى لها فرصة أخرى, تذكر كيف انتقل قلقه المتزايد عليها إليها لا إراديا, باتت ترتاب في كل وجه غير مألوف في محيطها, ما عادت تشارك أصدقائها رحلة الذهاب و العودة إلى الحضانة...
دموعه الليلية سرقت منه وهج الحياة بصمت, لكنها اليوم تراه بفرحه القديم بلقائها, فخره بإصطحابها على كتفيه في الشوارع و بين الناس, كل هذا إختفى من حياتها و حياته, و هي اليوم على يقين من أنه لن يعود...
كلما أرادت البكاء خافت ان يلحظها أحد, بدأت رحلتها مع الصمت الحقيقي المجرد, حتى جاءت تلك الصفعات التي أيقظتها من سباتها..

كبرت كثيرا, لكنها ما تزال منكمشة في مقعدها, عله يبتلعها و تختفي بحق هذه المرة, بكل ذكرياتها, إنتصاراتها و كبواتها و كل حزنها و فرحها... تختفي بلا عودة إلى حياة



نداء عادل

الأحد، 6 مايو 2012

زيارة عابرة




بعد مرورها بنا بالأمس تغيرت للحظة نظراتي لما أحيا منذ أكثر من ربع قرن


إبنة وحيدة اليوم لأبويها بعد أن كان لها أخ في ريعان الشباب اختطفه المرض بين ليلة و
ضحاها و لا مبالغة حين أقول انها ليلة و ضحاها
جاء التعليق من أحدهم: كلما مرت بي و استشعرت مدى ما فيها من غباء تقززت من
وجودها

نظرت إليه و سألته هل فكرت بنظرتها اليوم الى الحياة بعد المرض العصبي الذي
أصابها نتيجة الصدمةهل تتخيل مدى ما بها من ألم و هي تعلم انها قرييا ستكون وحيدة
في هذا العالم بعدما كان لها أخ تعتز به و تنظر إليه على أنه سندها بعد رحيل الأبوين؟
هل تخيلت و لو لحظة ان يختفي من تحب من حولك و تبقى وحيدا مريضا في بيت؟

حتى زمن قريب كنت أحسد كل فتاة عندما أراها بصحبة أبويها تنال دعمهم مشورتهم و
نصائحهم تحظى بإهتمامهم و تنهل من حنانهم دون ان تشعر هي بقيمة ما تملك
نعم كنت أحسدها و اتسائل كيف كنت لأصبح لو كان لي أهل من حولي
كنت في بعض الأحيان أتوق لعناق حان أو توبيخ من أم
و هذا أوقعني مع أناس استغلوا نقطة ضعفي تلك
كنت أحيانا كثيرة أتوق لسعة أفق أب
و هذا أيضا أوقعني مع اناس حاولوا استغلال نقطة ضعفي تلك
كنت ألومهما دوما على رحيلهما المبكر و تركي وحيدةكنت اغضب أحيانا كثيرة عندما
لا أجد من يسندني في ضعفي و يحميني من
الغدر و من الزمان القاسي الذي عشت
لم يكن هناك أحد لينصحني في حياتي, لم يكن هناك أحد يكتب معي ذكرياتي يعيش
فرحي بالنجاح و يسهر على مرضي لم يكن هناك أحد منذ ربع قرن
تشكلت إمرأة قوية يراها الغريب صلبة, يراها الغريب جبل لا يتأثر بالزمن و عوامل
المناخ, يراها الغريب....
و القريب يهابها لا خوفا عليها بل خوفا على الإرث الذي كان لها
أذكر ذات يوم و انا في رحلة علاج بعد أزمة حياتية بحتة زيارة من انسانة ظننت انها
أمي في يوم من الأيام
و أذكر جيدا ما قالته لي لحظتها
"أتيت لأرى انكسارك فإذ بي أراك تقفين كما الرمح"
نظرت إليها بإبتسامة و طلبت منها الرحيل
كنت أتوق لعناق لكنها خذلتني بعد هذه السنين
خذلتني بكل ما بها من كراهية و حقد لا ينتهيان
خذلتني و رحلت
بكيت بعدها قليلا و عدت الى جلسة العلاج الفيزيائي افرغ همي في العلاج

عدت الى موضوعنا و قلت ليس بالضرورة ان نقاوم الصدمات و نحيا
البعض لا يستطيع المقاومة كما فعلت طوال ربع قرن
هي ليست بمضطرة للمقاومة لأن لديها من يسندها
ثم عدت الى نفسي و سألتها هل أردت ان تكوني بهذا الشكل؟
و جاء الرفض قاطعا, لمعت الفكرة في الروح و أضائت من حولها عتمة الوحدة
ربما كان من الأفضل ان يموتا باكرا فلولا موتهما المبكر ما اصبحت انسانة نوعا ما
سوية رغم غرابة أطوارها و أفكارها و مجريات حياتها
انا و للمرة الأولى أجد إيجابية في موتهما مبكرا


نداء

أجبني







مرت بي طيور الصباح





سائلة عن الأحباب






أطل القلب ذابلا





عطشا





و الروح بلا رجاء






خجلا جاءت الشفة بــ رد حائر:








ما نسرقه



في غفلة الزمن



من وقت



شحيح



فكيف يكون



العتاب مكلف



و الشوق



ما زال صريح؟








أَجـِــبـني



فأنتَ نبع العشق



و أنت بوح القلم



ألم تكن كاتب عهدي



و رأس حربتي



و جنح الكلم؟








أم أن حرفي بات



نثرا



واهي المعنى



عليل



و الروح أمست غربتي



و الجرح ما انفك كبير




أجبني

السبت، 5 مايو 2012

قولي .......... صمتا



قــُولـِـي مَن تـَـكـُـونــِـيـن

يا عـَتـمـَةً شـَارِدَةً بـِـرُوحِ النـُور



قُولـِـي

فما أنتِ بينَ الحـَياةِ وَالمَـوتِ
مَـوجةً على رِمـالِ الدَهر
وما أنتِ بينَ السَماءِ وَالأرض
غـَـيـمـَـةً تـَحمـِـل مَـطـَـر



قـُـولــِــي

وإن شئتِ
ارسمي
على أهدابِ الماءِ
لوحًا للقدر



صـَمتًا
يا شاردَ اللحن
صَـمتًا
فـدَهرِي مـا عـَادَ يـَحـتـَـمِلُ الغـِناء



صـَمتًا
حــُفاةَ الأرض
فالصخرُ لا يـَكفـِي الجـِـياع



صـَـمتًا أبي
فلـَـحنـُـكَ لـَم يـُرَدِدهُ الصـَدى
ولـَم أفعـَل بــِمـَا يـَـكفـِـي أنا



صـَمتًا
أيـَـتــُها الحـَياة تبًا لكِ
فالفشَلُ عـَـلى أَعـتـَابـِك
لا يـُمطـِـرُ فـِـي عَـيـنـِي قـَهَر





صـَـمتًا
أيـَتــُها السـَماء
ما عَـادَ نــَـجـمـُكِ فـِـي رُوحـِـي زَهـَر

بعض من ما قالته روح عجوز







طرحت بالأمس سؤالا على الأصدقاء كان هذا مفاده






"ما الذي يفقد المرء شهية الحياة و الموت في آن واحد؟"






و جائت الإجابات كالتالي


الإهمال


الملل


الحب إذا ما استشعرنا انسحابه


اليأس






قد تبتعد إجابتي عن هذه المحاور أو قد تقترب لكنها تتلخص في كلمة واحدة و هي " الذكريات" ربما لا يستوعب البعض كيف تكون الذكريات سببا في إنعدام رغبتنا في الحياة و الموت في آن واحد و سأجيب من منظور إدراكي الحسي و من منظور تجربتي و تاريخي الشخصي فمعذرة لمن لا رغبة لهم بفهم وجهة نظري






الذكريات الإيجابية


و هي نوعين أحدهما يولد إحساس عميقا بالفقد و عتبا كبيرا على القدر فيه إختفى أفراد و مفردات و مكونات تلك الذكريات من الحياة لكنها ذكريات جميلة نفتقد أيامها و نحزن لأننا لم نعد كما كنا فيها كالذكريات مع الأبوين فبعد رحيلهم يتوالد إحساس الفقد و يكبر و نعتب على الزمن وحدتنا و إفتقارنا لذات أبوية في حياتنا( أنوه هنا أني أبني كلامي على تجربتي الشخصية فقد انتهى دور الأهل في حياتي منذ أكثر من ربع قرن بشكل قسري لا إختياري) و هو ما يجعل من كيان أو شخصية مثلي مضطربة و في تيه و ضعف في أحيان كثيرة من ما يجعلني أفقد الرغبة في الحياة, و يأتي دوري كأم لأجد في نفسي رغبة ما في زاوية من زوايا النفس تريد مني أن أمنح إبني شيئا من الحياة جميل فأفقد الرغبة في الموت أيضا لأجله لا لأجل نفسي






النوع الثاني من الذكريات الإيجابية


هي ذكريات لم يختفي أفرادها من الحياة و لا معطيات الذكريات كالمكان و المشاعر و لكن تحولت الحياة الى شيء آخر بعيد كل البعد عن معاني مفرداتها الأولى لنفس العناصر, تذكرنا لتلك اللحظات يحول أيامنا الى كابوس متكرر نفقد معه الرغبة في الحياة فليس هذا ما إعتدناه و ليس هذا ما كنا نحياه و ليس هذا ما كان فرحنا من العمر, و هو ما يفقدنا الرغبة في الحياة اما عن فقدنا للرغبة في الموت في ظل هذه الذكريات فهو نابع من محاولات لإستعادة شيء من ما كنا عليه حتى و إن كانت أحلام واهية لا أصل لها و لا حقيقة في واقعنا






الذكريات السلبية


هي كل ما يؤلمنا و يفتت الروح و ينثرها ملحا في جراحنا تفقدنا الرغبة في الحياة لشدة الألم و تفقدنا الرغبة في الموت بسبب الضعف و عدم القدرة على إتخاذ قرار






هي كلمات حائرة لا أكثر أعترف بعدها اني ضعيفة لا أستطيع اتخاذ قراري و لا أرغب في الحياة و لا أستطيع إختيار الموت






نـــداء عادل

الثلاثاء، 21 فبراير 2012

الموت بلا عنوان



في عين الغريق حلم باق

لا يملك ترحالا يوم الغرق

في عينيه

يتشبث بعض من روح

لا تعرف نعاسا و أرق

أذرعها تمتد نحو الأمان

النسيان

و ثالث يعلن على الموت العصيان



العشق شهيد الفعل

و الفاعل ذئب سعران



جرذان تسرق طفلا

و سجون تخلق عينان

تسأل عن جان يقتل

فرح الاطفال زمان

تنصت ألحان زائفة



و الموت بلا عنوان

الموت بلا عنوان

الثلاثاء، 31 يناير 2012

أظافر تركيب

استيقظت في الفجر هادئة النفس و الملامح, لم يكن هناك ما يعكر صفو مزاجها. تذكرت ذاك الفجر القديم الذي إعتادت الإستيقاظ فيه قبل الجميع, تذكرت بعض الوجوه التي أحبت و أخرى لم تترك في نفسها أثرا إيجابيا أو سلبيا, حاولت ان تعود الى نومها و لكنها لم تستطع و دون سابق إنذار تذكرت يوما استيقظت فيه على صراخ طفلها الذي إزداد عندما لامسته في سريره.
خاف منها, خاف من لمستها بيدين لم يعرفهما الصغير أو ربما لم يكن قد إلتفت لما بهما من تشوه
كلاهما كان صغيرا و عنيدا, عنيدا جدا, عانقته قبلته نظرت في عينيه الباكيتين حتى استأنس لها و عرف أنها أمه و لا أحد سواها إلى جواره هدأ.
من هنا بدأت رحلتها مع خوفه هل بدأ يعي مدى ما بها من قبح يرعبه أم أنها مجرد تهيؤات راودتها, تذكرت البيانو فاتجهت إليه و بدأت تعزف بأناملها عليه لتنساب الألحان عذبة شجية يحبها الصغير, الصغير الذي عاد إلى نومه أيقظ فيها تضاربا كبيرا بين فخرها بما أنتجته دكتاتورية عربية و بين خوفها من كره الطفل لشكلها, أرادت أن تنسى, أن تفرح, أن تبدأ حياة جديدة معه, لا أحد سواهما في هذا الكون يعرف ما يربطهما ببعض.
خافت عليه من جهله بأمه, خافت عليه من الخوف الذي عاشته و خافت عليه من قبح الكون.
إتصلت بطبيب العائلة و طلبت منه زيارتها و لم يتأخر الثاني فقد كانت تحظى برعاية خاصة في كل شيء, أعدت القهوة و إذ به يطرق على الباب بحقيبته الجلدية الكبيرة و نظارته المربعة و إبتسامة في وجهه البارد منذ الأزل, إستقبلته و بينما يتناولان فنجان القهوة أخبرته انها تريد حلا لقبح يديها بالتحديد فتفاجأ سائلا ألم ترفضي من قبل أي عملية تجميلية ليديك رغم أنك أزلت تقريبا آثار الحروق و الندبات و الجروح الأخرى خلال رحلة علاجك و رغم ما تحملته في تلك الفترة ما الذي أعاد الموضوع لديك إلى نقطة الصفر؟ هل تحتاجين إلى طبيب نفسي تتحدثين إليه أولا؟
ابتسمت له بكل هدوء و استطردت: "استيقظ صغيري باكيا هذا الفجر وما ان دخلت عليه و حاولت حمله حتى شعرت بالرعب في عينيه يتنامى من يدي, ليس هاجسا فالصغير لم يهدأ إلا بعد اختفاء يدي عن ناظريه و إلتقاء عينيا لم يهدأ الا بعد ان شم عطري و ارتاح على صدري فتذكرني، أنا أمه التي يحب, صغيري أيقظ الخوف في نفسي و لا أريده أن يكرهني خوفا من قبحي لا أريده ان يتجنب لمستي خوفا من يدي لقد بدأ يعي ما حوله و خوفه من لمستي قد يتطور في المستقبل الى رفضه لها و لي بالتالي و انا لن أحتمل ان يرفضني ملاكي, هو لا يعلم بعد ان ليس لي سواه في هذا الكون و ليس له سواي و لكني أعلم و لابد من أن أحافظ عليه و على رابطنا"
صمت الطبيب, صمت طويلا و هو يحتسي قهوته بدا حزينا يتألم حتى رأت الدمع ينسال على خديه ثم قال لها: "أنا لا أفهم سبب الوحشية على هذه الأرض, مازلت أذكر أول يوم إلتقيتك فيه."
فسألته:" حقا تذكره؟ انا لا أذكر الكثير منه"
فرد عليها محاولا الإبتسام: "كنتِ حينها في المستشفى و طـُـلب مني التعرف بك فقد كنت ضمن نطاق مسؤوليتي في المدينة إستغربت من إتصال المحافظ بنفسه لهذا الأمر و لكني توجهت الى المستشفى عصر ذاك اليوم, تحدثت إلى الأطباء المشرفين على حالتك, و كانت صدمتي الأولى من التقارير و الصور التي رأيت، لم يكن قد مر على وصولك 3 أيام, لم أستطع تخيل ما كنت به من ألم تصورت أني سألتقي جثة هامدة على السرير ربما ترفض الحياة و ربما ترفض الإنسانية التي خذلتها كثيرا, تحدثت إلى المحققين الذين تواجدوا لكي يكون الإجتماع مكتملا فنعرف جميعا هول ما حدث و نصدم أكثر و لكن صدمة أطباء المستشفى كانت أكبر من صدمتي لأنهم تعاملوا معك على مدى ثلاثة أيام لم أكن أنا فيها موجودا على الخريطة, تعاملت مع الأمر كأي طبيب لم يعرف مريضه بعدما سمعت تفاصيل عودتك الى هنا و عرفت من التقارير الطبية ما تعرضت له, أحد لم يتحدث عن صبرك و عن قوتك, أحد لم يذكر انك رغم الخوف الكبير الذي يسكنك مازلت تبتسمين و تقفين على قدميك كل يوم و لا أحد سواك يفتح ستارة النافذة كل صباح لتري الشمس تشرق على العالم لم يخبرني أحد بذلك كله, توجهت إليك و انا أنتظر رؤية الموت حيا على قدمين لأجدك حياة و أمل تشيع في نفوس من حولها النور, كنت قد شاهدت بعضا من صورك قبل ان تغادري البلاد مرفقة بالملف و شاهدت صورا للجروح و الحروق و الكدمات و الإصابات الأخرى لكني لم أر صورة لوجهك بعد ما تعرضت له من تعذيب, توجهت إليك و أصبت بذعر حقيقي و انا أرى زاوية من وجهك و انت تتناولين كوب الشاي أمام نافذة غرفتك, اوقعني يومها الذعر في الأرض و لم أتمالك نفسي و لم أدخل إليك, عدت الى غرفة الأطباء و تناولت مهدئا و بعد مرور ساعة توجهت إليك مجددا"
كانت تسمعه بصمت و الدموع ملء عينيها كانت تسمعه و تتذكر تفاصيل أيامها تتذكر كيف وصلت الى حال ترعب ناظريها و عندما لحظت صمته ابتسمت له و أخبرته انها مرحلة و انتهت و لكن البداية متعثرة بعض الشيء.
قال لها لدي المزيد لأقوله لك و استطرد: "تعلمين اني أشارف على سن التقاعد و لكني لن أتخلى عن علاقتي بك فأنت الحالة الوحيدة التي ربطتني بها الإنسانية مدى الحياة أنت الوحيدة التي جعلتني أرى في العالم قبحه و جماله انت من ساعدني على إيقاف عبثية العمر والاهتمام بمسائل كحقوق الإنسان لم تكن تخطر لي ببال من قبلك, والبحث دفعني للتعرف على عوالم لم أكتشفها في سن مبكرة و لكنك فعلت, أنت أنرت الطريق لي و لبعض الإطباء في المستشفى للبحث في قضايا اللاجئين عبر العالم و البحث في ملفات الأمم المتحدة, رغم كبر سننا انت أنرت لنا الطريق و إصرارك على الحياة جعلنا أكثر إصرارا على إنقاذ الحياة, هل تكتبين يومياتك؟"
ابتسمت و هي تتناول آخر رشفة من فنجانها و أومأت برأسها أنها لا تفعل و بدا الحزن على وجهها و في عينيها ذعر كبير, انتظر ان تستطرد بصمت فقالت له: "في بداية علاجي النفسي و بعد فشل كل المحاولات العلمية طلب مني الطبيب أن أكتب ذكرياتي و فعلت استدعيت كل ذكرياتي على الورق و كتبتها و لكن الأمر لم يكن بالسهل كنت أرسل إليه كراسة كل اسبوع يترجمها حتى انتهيت انا من الكتابة و هو من الترجمة و إلتقينا في عيادته مجددا, أول سؤال طرحه علي ما جدوى الحياة إذا و لم أملك ردا لذاك السؤال حينها و مازلت لا أملك واحدا, حاولت أن أكتب يومياتي و لكنها تحولت إلى ربط بالذكريات القديمة بكل ما بها من ألم فتوقفت عن الكتابة مثلما توقفت عن النوم خوفا من الكوابيس و عن الحلم خوفا من غد لا أجد فيه نوري و لا نور الآخرين, تقلصت مفرداتي و انضمرت كل الآمال و لم بيق لي سوى العمل و العمل و العمل و من ثم هذا الصغير الذي يحتاجني في كل لحظة, بات علي مسؤولية أكبر مني و هي حقوق الإنسانية جميعا فلا أحد مهما كان مجرما يستحق ان يحيا ما حييت لا أحد يستحق الحزن و نحن نملك في عالمنا القدرة على العدل و القدر الكافي من الحرية ليتمتع المرء بحقوقه و يقدم واجباته, لا أملك سوى العمل كي أورث صغيري عالما يعيش فيه أفضل مني, يعيش فيه بأمان و يستنشق فيه الحريه و انا أعني العالم أجمع لا بقعة واحدة منه, العالم يحتاج لصوت يثير براكينه ان كان اليوم على مستوى الأفراد ربما يكون الغد على مستوى المجتمعات و بعده على مستوى الإنسانية, لأجل هذا كله توقفت عن كتابة يومياتي لعلي أحظى بذكريات أفضل مما أملك فأكتبها في غد أفضل مما نملك من يومنا هذا."
تابع هو: "حسنا مادام كل شيء اليوم لأجل صغيرك في الغد علينا ان نبدأ البحث عن طريقة تستعيدين بها شكل يديك"
أجابته: "لا يهمني شكل يدي لكن ما يهمني أن لا أرعب الصغير منها الكسور التي في المعصم مازالت تتسبب لي بالألم في بعض الأحيان و لكن هذا ليس بمهم فالألم هو نبض الذاكرة, و لكن خوف الصغير هو الأهم لابد من ان نخفي هذا القبح بأي شكل."
أمسك بهاتفه و أجرى مكالمة ثم عاد إليها ليخبرها: "يقول الطبيب انه يحتاج لرؤية يديك و ربما سنحتاج لبعض الأشعة فقد يكون لديه حلا سريعا و قد يتحول الى حل دائم موعدنا في المستشفى بعد ساعتين هل تحتاجين لشيء آخر قبل رحيلي؟"
ابتسمت و شكرته و اتفقا على اللقاء في المستشفى
بعد الأشعة و المعاينة كان رأي الطبيب زرع أظافر جديدة مكان تلك التي اقتلعت و لكن هذه الزراعة مؤقته لأنه سيعمل على ربطها بجذور الأظافر التي بدأت تتكون حتى يلفظ الجسد الغريب عنه و تعود الأظافر العشرين الى مكانها بشكل طبيعي, وصف الطبيب الأمر و كأنه عملية إعادة بناء خلية كما يحدث في رحم الأم تبنى الخلايا لأول مرة و تتكون هو سيعيد هذه العملية حتى تستعيد هي عشرين إصبعا طبيعيا تتعامل بهم مع الحياة

و بعد مرور 48 يوما عادت فعلا الى الحياة بأصابعها الكامله لا المبتورة أجزاؤها عادت لتعزف البيانو مجددا
وعادت لترى الفرح في عيني صغيرها الباكي

الاثنين، 9 يناير 2012

في بلاط الملك

في بلاط الملك أحجية

يرسمها الزمن و يكتبها القلم



دوما ما كانت تقرأ

لكنها باتت عصية

على أذهان الرعية



في بلاط الملك

ثوب من ثراء

داخله فقر كوني

للإنسانية



في بلاط الملك أحجية

دون رثاء

من هناك

الغيم لا يمطر في هذه السماء
حتى الأرصفة لا تجرح
هل كانت الغربة
أم أني أراها بشكل مختلف؟

لا أعلم
هناك مساحة للفرح في داخلي
هناك بعضي يرتجف بحثا عن نور