الخميس، 2 فبراير 2023

 

منتهى الإغراق

 

يا أيها الرجل القديم،
يا صاحب الظل الذي أُخَضِره
مثل التي أسميتها نخلة
وريقة بائدة رأيتها
وجدتها في سلة النهر
وقد لمست فيها عبقًا ليس غريبًا
في خياشيمي؛
أتعلم من تذكرني بها
بفسحة الحياة
تزدان بطعم الشهوة العريق
ترمقني كما انطلاق
عابر بحرقة الشهيق
بلوعة المشتاق
يوم يلمس الحريق
بوطأة القهر على العشاق
بمنتهى البريق
تنثال كالدمع على الدم المراق
تجعلني أفيق وإني لا أفيق
فكل ما لدي صحوة انعتاق
تطيقني ولم أعد أطيق
كأنها تمنحني الفراق
وتأخذ الروح من الغريق.

يا اللا تطاق
يا لمبدئ المعيد
يا مانح الأحرار حرقة العبيد
يا منتهى الإغراق
يا العظيم في دمي
والمستطير في تلال أنجمي
شيطاني الملاك
ملاكي الشيطان
كل الليالي خامرتني
يا القديم
كل السواري مزقتني
يا القديم
حتى اسمي المباح ينكرني
وأنكر ربه
الذي عمى
وإنني رأيت
وكنت في جوف المدينة
والغراب فوقها
وعالم من القطط.

في زمن الطوفان مات والدي
وكان قبطان السهول
في زمن الطوفان قطَّعت حبالي كلها
من ثم عريت القصيدة
وكان فوق العرش دجال
وعكاز قديم
وكان في بستاننا كلب مريض
وكانت المغول
وكان سبي
ونهر من حروف
ثم نهر من دماء
وبلاد بين نهرين
وعشتار بلا مأوى
بلا أوثان من لذة
وذلك السرير قد أحرقت في أرجله كل الأدلَّـة.

وما استطاع ذلك العهر
بأن يُنْسي عصافير شبابيكي
روايات المذلَّـة
.

يا سيدي القديم
في أي المصابيح أواريك
على أي المشاعل
وفي أي الحقول المزهرات أرتجيها
كما كانت تريد
وما أزال حاملة جثة بيتي
حيث ما حللت
حيث ما رحلت
وما أزال باحثة عن وطنٍ
أو مقبرة.


من ديوان #طفل_القمر_الزجاجي

#نداء



 

 

السبت، 3 ديسمبر 2022

ربُّ المزامير

 

 

تَغلغَلتْ بيني وبين أضلعي
شمسُـك يا رب المزامير
التي هوت من السماء
فاستمالتني إلى بحيرة البجع
تناسلت مثل النجوم
واشرأبت كاللظى
فأمطرتني سُدُماً من الوجع
مارستُ فوق الرابية
غواية الحلم
وموت القافية
ومطلع الجحيم من براثنك
وصولة الشبق.


لي من الحُلْم ثمان
ثم عشر من كروم غافية
ثم من أوهام حناءٍ لي عشر

وما تبقى من شذاي
سوف يصلبني بعشر على بوابة الفجر
مسيحًا ناسيًا صلاته الأولى
وسطرًا من غزل.

النخل فراتيٌّ
ومات مسلوبًا على ساقية العطش
يرقب موته رب القرى الأخرس
يعكس في دماه المشنقة.

يا أيها الثوار
قد ذبلت راياتكم
فاتخذوا ربًا لكم
ولتعبدوا زناته في كل يوم
ولتمسحوا أحذية العهر
وتبكوا عليَّ.

 

حين اختفى الرئيس من مقعده
تصدعت كل الجبال
غارت الأنهار
وأزهقت أجنة الأرحام
إن الرئيس رب كل الكائنات
سيد الغلمان
قارئ الغيب
على مصطبة الرمل
وجحر الانتقام.

للعهر أسياد
وللوعي ثقافة
وللخيام الحمر من ذاك ومن ذا
فاحترس في أي لغم ستعود.


يا سيد الأشجار
إني قاحلة منذ الظلال
والكروم لم تكن سوى حصى
قد ذقت وهن الملح

وطعنة المفاجأة
وغربة التصفح الكبير
بين لمحة العين ولفح الشمس وسيقان الطريق
إنني أبصره صليبي المنصوب
فوق التلة الجرداء.


يداك خطت اسمي المنسي فيه
بكل جرأة الذبح
ولون المشرحة
ممسك أنت برمح الضلع
والشهيق راعف
وقبعات للجنود زانية.

من قال بأن لسنا على الأوتار
قد تدمى قلوبنا
من قال إن الحب أعمى
والذئاب مبصرة
من يُسلم الحورية الخمرية القسمات
للذئاب
ومن يذبحني عند الحروف
كيما أتنفس؟

ملحد أنت وذاك الرب
قد أوحى إلي بالترجمات اللزجة
طريقنا يمتد من بغداد
حتى سلَّم الغربة
ثم تختفي النجوم
تنسل خطانا هاربة
ينقطع الإرسال صوب قبرك
المطعون أبي
وترقد الخطيئة.

إنني أراكَ يا صياد عشتار
يا أعمى الطريق والخطى
وتلك أشلاء حروفي
فوق ثغرك
راقب الباب فإن الريح
قد تقتحم الطائرة الممزقة
تنسم آخر النشيج
فأنت لن تعود
لن
تعود.




الأحد، 27 مارس 2016

عن أبي أتحدّث

يفاجئني بالحضور بين الحين و الآخر، دون سابق دعوة ولكن لوجوده بشكل أو بآخر معان كثيرة في حياتي. بالأمس كنت منشغلة عنه و مع ذلك ذكرته مرتين على الأقل، واحدة كانت في مشهد عابر، و الأخرى كانت انتقادا لخيارات اختارها في زمن ما قبل المضي إلى العوالم الأخرى.

الخوف يعتريني فلا أجد ملاذا إلا بعض ذكرياتي معه، كالأيام التي كان يرفعني بها على كتفيه و يسير بي في شوارع دمشق القديمة، يحدثني عن التاريخ وعن التواضع، يحدثني عن بغداد وعن جدتي، يحدثني عن النخيل والنهر والبيت العتيق الذي كان يعشق.

كانت ذكرياتي معه كثيرة جدا، و لكن، وبعد مرور ربع قرن، اكتشفت أنها لم تكن بشيء يذكر أمام الحياة التي عشت، ومع ذلك صاغتني كلماته على حالي اليوم.


نعم كلماته تلك هي التي صنعت مني تجسيدا له و لأحلامه و بقائه.


اللوم و العتب ما عادا يجديا نفعًا مع الموت، في كل الأحوال هو يأتيني.

في كل الأحوال لا أتمنى أكثر من زيارته.


إنه أبي


السبت، 2 مايو 2015

لم تتعلّم الانتقام



نال منها الاستياء، في لحظات معدودة.




تأجّجت مشاعر الغضب داخلها، لاسيّما أنَّ أحدًا لم يسمع يومًا صراخ روحها المتكرر.

غابت البسمة عن ثغرها، ذاك الذي كان يصدح بالغناء، ويوزّع الفرح على الأموات والأحياء.




لم تكن تلك ليلة عابرة، بل كانت في الحقيقة الليلة الوحيدة التي شعرت بالحياة فيها، لأن الألم هذه المرّة كان أكبر من أي ألم سبقه، لأنها اكتشفت أنّها، على الرغم من كل تضحياتها، كانت عرضة للغدر.. على مدار أعوام عدّة.




ابتسمت، وبثقة قالت.. سأكون صديقة جيدة حتى إن تألّمت.. سأكون نفسي، لأني لا أعرف كيف يغدر الأخرون، ولأني لا أحتمل غدرهم، لن أكون يومًا سببًا في ألم أي آخر كان، قريبًا كان أو بعيدًا.. أنا لم أتعلم الانتقام.




غسلت الدمع من بين جفنيها، تناولت لفافة التبغ، ورشفة أخرى من فنجان قهوتها.

ودّعت البحر

وغاصت في أعماق زنزانتها.. تنتظر ربما سكين غدر أخرى.



الثلاثاء، 28 أبريل 2015

وهم



عندما يبتعد العطر عن الأزهار خجلاً

والكآبة تتبع كل سعادة ظننت أنك عشتها

حينها فقط تعرف حجم الوهم الذي اخترت الغرق فيه


علك بعدها تستفيق

السبت، 18 أبريل 2015

فراغ حدَّ الفزع



كان الفراغ كبيرًا حدَّ الفزع
والأمنيات الصغيرة تهاوت في ثقبه الأسود
فقط لتُقتلَ في الظلام..

زهرة جوريّة لم يتفتّح برعمها
والحياة مخضّبة بالدم
والخائن يجلس على عرش
يبكي زهرة داسها بأهدابه


لمحة من عمر يتضاءل

غربة!!

لطالما كانت كذلك
وهكذا ستبقى مع كل خيانة وغدر



الخميس، 16 أبريل 2015

بعدما صمت دهرًا



تلك الليلة الصيفية الهادئة، لم تكن سوى ليلة عابرة من ليال كثيرة، تفرّقت بها الدروب، وانكسرت فيها خواطر الوحدة والغربة.

اعتراها الامتعاض من ما مضت عليه الأيام، استنكرت احتجابها عن الحياة، لكنها أقرّت أنّه قرار اتّخذته، بكامل وعيها ومعطياتها في حينه، ولكن أيصلح أن يستمر لأكثر من عشرين عامًا..

صمت الفكر لدقائق مستمعًا لنبض القلب، ذاك الذي لم يتوقف يومًا عن سؤالها في شأن الحياة ومبتغاها، بدايتها ومنتهاها، تسمّر الزمن فيها دون ضحكة يذكرها، أو متعة نبض لأجلها..

وفي خضم ثورة أسئلته، بعدما صمت دهرًا، علمت أنّها أضاعت عشرين عامًا في الغياب، لم تجن منها سوى العذاب، وتساءلت، ترى هل يمكنني أن أعود؟