الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

من المشاهد الأولى



كانت الطائرة فوق السحاب تحملها إلى البعيد، نافذة صغيرة تتسع لرؤية الشمس في الأفق في أبهى صورها، وهي تجلس إلى جوار العزيز ممسكة بذراعه بين خوف وأمل.
بين الغفوة والأخرى كانت تصحو على لمسته، وهو يدثرها جيدًا كي لا تشعر ببرد.
وصلا إلى مطار دولة عربية، وكان يختلف تمامًا عن المطار الذي غادراه، لم يخطر ببالها أبدًا تصور للآتي، كانت طفلة لم تتعلم التفكير بعد، ظلت تحمل بهجتها وتحلق بها حوله كفراشة حول نور.
حملها على أكتافه وغادر صالة الوصول ليجد بعضًا من أصدقائه ينتظرون بوجوه يعلوها الخوف، أشار إليهم مبتسمًا وتوجه نحوهم، استقبلوه بعناقات كثيرة وحفاوة، بدأ الإنفراج على وجوههم يعلو..
كانت السيارات بانتظارهم في الخارج، فأسرعوا بمغادرة صالة المطار القبيحة، داهمها الحر فاشتكت له من عناقه الشديد، ضحك لها وفك ذراعيه قليلاً من حولها، لكنه لم يبعدها أو يبتعد عنها، هل كان به خوف من نوع مًا؟
لم تعرف سببًا لتشبثه بها في تلك اللحظة.. خفض مستوى النافذة بجوارهما فدخل إليها هواء متجدد وكثير داعب وجنتيها، وتراقص شعرها الأسود المنسدل على وجهه، فعادت ضحكاتها تعلو، والفرح يغمرها.

كانت طفلة لم تعي بعد ما ينتظرها....


يتبع

مقتطف من الخاتمة





شعرت باقتراب شهقتها الأخيرة مع تعاظم الألم، بكت كثيرًا هذه الليلة، لكنها لم تشأ أن يرى أحدًا حالها.
غالبت وجعها وغادرت سرير الموت، توجهت إلى ثيابها واختارت ثوبها الأسود، الذي طالما أعجب محبوبها، ارتدته و ظفرت شعرها بطريقة تشبه ظفائر النساء في القرن السادس عشر، توجهت إلى المرآة وهي تتمنى أن ترى وجهها مشرقًا بالحب والأمل لكنها لم تصدم حين رأت الشحوب والوجع.
اغرورقت عيناها بالدمع، ليس على حالها، بل على من ستتركهم قريبًا، أمسكت بفرشاتها. بدأت ترسم بالألوان على وجهها، أعادت بعضًا من رونقها بالزيف، ابتسمت لإنعكاس صورتها، لكنها رأت في عينيها ما تحاول إخفائه، هل سيراه هو أيضًا حين يأتي؟ غالبًا لن يلحظ شيئًا لأنه لن يأتي.
حاولت التماسك أمام الفكرة، حاولت التمني، ولكن الواقع كان عكس ما تمنت، عادت إلى فراش موتها، غالبت الدمع واستسلمت إلى النوم، لن يراها أحد كما لم يراها أحد

بقيت من المجهول إلى المجهول حتى انتقلت إلى المجهول الأوسع...

العاصفة الأخيرة



نحتاج في بعض الأحيان للخلافات لنعرف حقيقة ما يجول في فكر الآخرين دون رتوش أو تنسيق, من هنا يأتي هذا النص المستوحى




أيظن حقا أنها الأفعى التي تبث السم في حياته؟؟
أم أنها مجرد كلمات يقولها في لحظة كبرياء؟
تذكرت حين زارتها إحدى معارفه, تذكرت الساعات الطوال التي جلستها بصمت تستمع إلى مدى الكراهية في مجتمعه تجاهها بإبتسام, لم يكن يومها صبرها من فراغ بل لأنها كانت على يقين أنه يحبها فماذا الآن؟
غالبها الدمع و غلبها هذه المرة أيضا, كم هي قاسية تلك الحقيقة التي لا تخرج عن إطار ما أدركت منذ فترة و رغم ذلك رفضت الإعتراف بها أو حتى السماح لنفسها بأن تصدقها, دفعها العشق لبعض من أمل و لكنها اليوم تعرف انها تهذي لا أكثر..
سألت نفسها من هجر الثاني أولا؟
من حطم بقايا عمرها, هل كانت أنانيتها أم شيء ما فيه هو جعلها تبني الجدران العالية واحدا تلو الآخر بحثا عن حصن ترتكز إليه و تحمي الباقي من لحظات الذكرى, هي لم تعد تلومه على ساعات الإنتظار, كانت دوما تجد له المبررات رغم أن هذا يتنافى و إنسانيتها, هو ما كان يكترث لوجودها, ما كان يسأل عن صمتها و عمق حزنها, ما كان يعترف بتجربتها, ما كان يصدقها.
صاغرة بحثت عنه كل ليلة و لم تجده و لم تتعظ, صاغرة صمتت أشهرا طوال و لم يكترث, كان يرى الجسد يتمزق و لم يكترث, كان يرى الروح تغادر نبضها و لم يكترث...
تعلمت أنه من الخطأ أن تحيا نصف حياة بنصف نفس, حاولت ان تنام ساعات طوال لكنها لم تنسى الأسى, فلحظة واحدة من اليقظة كانت كافية لإشعال الغربة مجددا مهما تمنت أن يطول غيابها, أدركت برودة لمساته و عرفت أنها لم تكن إلا منعا للعتب, انكسرت مرة تلو الأخرى, و انكسرت مجددا..
أحد لم يعلم يوما أنها ما بحثت إلا عن بعض من إحتواء و أمان, إنسانيات بسيطة هو كل مطلبها, لكنها لم تجد إلا المزيد من إنتهاك الخصوصية و القمع البشري و الغربة و الصمت
لم تجد إلا نفسها حطام بشري عاجز عن الإستمرار..
وضعت الأقراص جميعا في كف يدها نظرت إليها و ابتلعتها جميعا دفعة واحدة, خيم الصمت على روحها, تهاوت على وسادتها و هي تختار أبشع أشكال للموت...
دون وداع



- نداء عادل

هي و الكرسي



في زاوية كرسي منسي, تجلس منكمشة على نفسها, متمنية لو أنه يبتلعها فتختفي, كما ابتلعتها دوامة الحيرة و الخوف, هل لحظ أحدهم وجودها؟ أم نسيها الجميع و اختفت عن أنظارهم؟ لا تذكر كم مر من الوقت على جلوسها هذا, لكنها تعلم أن طفولتها قد إنتهت هناك في ذاك المكان و تلك الأيام, كيف لها ان تحيا؟ لماذا؟ و كيف؟ و أين؟
يتسرب إليها من خلال الذاكرة, بوجهه الأول الذي كانت تحبه, مرَّ زمن زمن طويل على آخر مرة رأت فيه هذا الوجه, منذ عاد من رحلته الأخيرة إلى برلين, كانت تستشعر شيئا ما به و لا تعرف ماهيته, تراه في كل تصرفاته, تذكر
بعد يوم طويل قضته بعيدا عنه ما كان هناك شيء يشبه فرحتها باللقاء مجددا كادت ان ترتمي في احضانه لكنه تركها و التفت إلى شيء آخر متجاهلا اجتياحها له حاولت ان تتعامل بطفولتها و تحدثه عن أي شيء لكنها أدركت انه لا يسمعها كتمت أنينها و تركته، يوما تلو آخر تراه يتهرب منها دون ان تجد تفسيرا، تسمعه يبكي و لا تعرف سببا لم يكن هناك دمع في عينيه لكن روحه كانت تشهق حد الموت، اعتادت غيابه و اعتادت انشغاله عنها لكنها لم تجد له مبررا، من لها سواه في الحياة و من له سواها، كيف يتركها هكذا؟ خافت سؤاله لكنها سرعان ما ندمت، فلن تتسنى لها فرصة أخرى, تذكر كيف انتقل قلقه المتزايد عليها إليها لا إراديا, باتت ترتاب في كل وجه غير مألوف في محيطها, ما عادت تشارك أصدقائها رحلة الذهاب و العودة إلى الحضانة...
دموعه الليلية سرقت منه وهج الحياة بصمت, لكنها اليوم تراه بفرحه القديم بلقائها, فخره بإصطحابها على كتفيه في الشوارع و بين الناس, كل هذا إختفى من حياتها و حياته, و هي اليوم على يقين من أنه لن يعود...
كلما أرادت البكاء خافت ان يلحظها أحد, بدأت رحلتها مع الصمت الحقيقي المجرد, حتى جاءت تلك الصفعات التي أيقظتها من سباتها..

كبرت كثيرا, لكنها ما تزال منكمشة في مقعدها, عله يبتلعها و تختفي بحق هذه المرة, بكل ذكرياتها, إنتصاراتها و كبواتها و كل حزنها و فرحها... تختفي بلا عودة إلى حياة



نداء عادل