تلك الليالي الطويلة التي كنا نقضيها معا كانت الأروع دوما, على كتفه كان يجول بي الشوارع لنستمتع معا بسكون الليل و طيب عطر الياسمين الدمشقي, يحدثني عن أمه, لم يخبرني يوما عن أمي أنا شيئا, يضحك من السذاجة في فكرها, يبكي مفتقدا حنانها و إهتمامها, يصمت ثم يبدأ بالغناء... دوما ما كان يختار لبداية غنائه أغنية ( جي مالي والي) تنهمر دموعه و تسكته العبرات, يحاول التماسك ثم يعود للغناء مجددا لكنه يختار أغنية أكثر فرحا مثل ( فوق النخل أو صغيرة جنت و انت صغيرون), حفظت عنه تلك المقاطع, كانت سلوتي من بعده في ليالي الشتاء, أو ربما كنت أستدعي دفئه في وحدتي... كان يحب سرد القصص ذات المعاني العميقة لي, في بداية طريق عودتنا إلى المنزل, و كنت كثيرا ما أغفو و هو يتحدث إلي عن شوكتلي و زوجته صاحبة العبارة الشهيرة ( بزده عجايب بزده غرايب بزده الله كريم شوكتلي), لم أفهم إلى اليوم تلك العبارة و لكنها ما تزال في أذني بصوته الهادئ الحنون, رغم نسياني لمعظم تفاصيل الحكايات اليومية. بالأمس كنت أتذكره, بالأمس كنت أعد أيام غيابه عني...سيمر بعد أيام قليلة ربع قرن من الزمن على فراقنا, و ما زال بي شك حول الفراق, مازلت أحلم أن يطرق الباب يوما ليقول لي أنه ما زال حيا يرزق. في آخر مرة إفتقدته منذ حوالي العامين حطمت كل شيء يخصه ما زال بحوزتي, إستنكرت غيابه, إستنكرت ضعفي و إحتياجي لوجوده, مزقت كل الصور, و بكيت كثيرا... بالأمس أيضا تذكرت إحدى دروسه التي علمني إياها, درس استخدمه كي يقنعني بالذهاب إلى المدرسة دونه, كان يقول لي: " كان هناك ذات يوم رجل اسمه عـلم و زوجته اسمها معرفة, أنجبا طفلا سمياه عقل, عندما بلغ عقل الخامسة من عمره قررا إرساله إلى مدرسة الوجدان و الإيمان, ذهب عقل مزودا بالعلم و المعرفة, لكنه لم يقنع بكل ما كان يقال في المدرسة, فقرر أن يرحل عنها و يعود إلى والديه, في طريق عودته إلتقى بجده العجوز, أخبره عن تجربته في مدرسة الوجدان و الإيمان, إمتعض الجد لائما والديه, ثم قال لعقل: "عد إلى المدرسة و اترك العلم و المعرفة خارجها و أدخل بالفؤاد فقط و انا واثق أنك ستتعلم الكثير في المدرسة و ستكون متعتك في الحياة بعدها أكبر". عاد عقل أدراجه نحو المدرسة, ترك خارجها العلم و المعرفة و دخلها بفؤاده فقط, مرت سنة تلو الأخرى حتى أتم عقل دراسته, و إكتشف يوم تخرجه و هو يكتب خطابه إلى جده أن الإيمان محله الفؤاد و أن العلم و التفكر عبادة تعزز الإيمان و تثبت الأقدام على طريق الحق...
مدوّنة امرأة لم تكن في حياتها غربية، ولم تتحمّل الشرقيين بطباعهم والازدواجيّة
السبت، 5 يناير 2013
عقل و المدرسة
تلك الليالي الطويلة التي كنا نقضيها معا كانت الأروع دوما, على كتفه كان يجول بي الشوارع لنستمتع معا بسكون الليل و طيب عطر الياسمين الدمشقي, يحدثني عن أمه, لم يخبرني يوما عن أمي أنا شيئا, يضحك من السذاجة في فكرها, يبكي مفتقدا حنانها و إهتمامها, يصمت ثم يبدأ بالغناء... دوما ما كان يختار لبداية غنائه أغنية ( جي مالي والي) تنهمر دموعه و تسكته العبرات, يحاول التماسك ثم يعود للغناء مجددا لكنه يختار أغنية أكثر فرحا مثل ( فوق النخل أو صغيرة جنت و انت صغيرون), حفظت عنه تلك المقاطع, كانت سلوتي من بعده في ليالي الشتاء, أو ربما كنت أستدعي دفئه في وحدتي... كان يحب سرد القصص ذات المعاني العميقة لي, في بداية طريق عودتنا إلى المنزل, و كنت كثيرا ما أغفو و هو يتحدث إلي عن شوكتلي و زوجته صاحبة العبارة الشهيرة ( بزده عجايب بزده غرايب بزده الله كريم شوكتلي), لم أفهم إلى اليوم تلك العبارة و لكنها ما تزال في أذني بصوته الهادئ الحنون, رغم نسياني لمعظم تفاصيل الحكايات اليومية. بالأمس كنت أتذكره, بالأمس كنت أعد أيام غيابه عني...سيمر بعد أيام قليلة ربع قرن من الزمن على فراقنا, و ما زال بي شك حول الفراق, مازلت أحلم أن يطرق الباب يوما ليقول لي أنه ما زال حيا يرزق. في آخر مرة إفتقدته منذ حوالي العامين حطمت كل شيء يخصه ما زال بحوزتي, إستنكرت غيابه, إستنكرت ضعفي و إحتياجي لوجوده, مزقت كل الصور, و بكيت كثيرا... بالأمس أيضا تذكرت إحدى دروسه التي علمني إياها, درس استخدمه كي يقنعني بالذهاب إلى المدرسة دونه, كان يقول لي: " كان هناك ذات يوم رجل اسمه عـلم و زوجته اسمها معرفة, أنجبا طفلا سمياه عقل, عندما بلغ عقل الخامسة من عمره قررا إرساله إلى مدرسة الوجدان و الإيمان, ذهب عقل مزودا بالعلم و المعرفة, لكنه لم يقنع بكل ما كان يقال في المدرسة, فقرر أن يرحل عنها و يعود إلى والديه, في طريق عودته إلتقى بجده العجوز, أخبره عن تجربته في مدرسة الوجدان و الإيمان, إمتعض الجد لائما والديه, ثم قال لعقل: "عد إلى المدرسة و اترك العلم و المعرفة خارجها و أدخل بالفؤاد فقط و انا واثق أنك ستتعلم الكثير في المدرسة و ستكون متعتك في الحياة بعدها أكبر". عاد عقل أدراجه نحو المدرسة, ترك خارجها العلم و المعرفة و دخلها بفؤاده فقط, مرت سنة تلو الأخرى حتى أتم عقل دراسته, و إكتشف يوم تخرجه و هو يكتب خطابه إلى جده أن الإيمان محله الفؤاد و أن العلم و التفكر عبادة تعزز الإيمان و تثبت الأقدام على طريق الحق...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق